فصل: باب محرمات الإحرام:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: شرح المحلي على المنهاج



. باب محرمات الإحرام:

أَيْ مَا يَحْرُمُ بِسَبَبِ الْإِحْرَامِ (أَحَدُهَا سَتْرُ بَعْضِ رَأْسِ الرَّجُلِ) مَعَ الْبَعْضِ الْآخَرِ أَوَّلًا (بِمَا يُعَدُّ سَاتِرًا) مِنْ مَخِيطٍ أَوْ غَيْرِهِ كَقَلَنْسُوَةٍ وَعِمَامَةٍ وَخِرْقَةٍ وَعِصَابَةٍ وَكَذَا طِينٌ ثَخِينٌ فِي الْأَصَحِّ (إلَّا لِحَاجَةٍ) كَمُدَاوَاةٍ أَوْ حَرٍّ أَوْ بَرْدٍ فَيَجُوزُ، وَتَجِبُ الْفِدْيَةُ وَاحْتُرِزَ بِالرَّجُلِ عَنْ الْمَرْأَةِ وَبِمَا يُعَدُّ سَاتِرًا عَمَّا لَا يُعَدُّ كَوَضْعِ يَدِهِ أَوْ يَدِ غَيْرِهِ أَوْ زِنْبِيلٍ أَوْ حِمْلٍ وَالتَّوَسُّدِ بِوِسَادَةٍ أَوْ عِمَامَةٍ وَالِانْغِمَاسِ فِي الْمَاءِ وَالِاسْتِظْلَالِ بِالْمَحْمِلِ، وَإِنْ مَسَّ رَأْسَهُ وَشَدَّهُ بِخَيْطٍ لِمَنْعِ الشَّعْرِ مِنْ الِانْتِشَارِ وَغَيْرِهِ (وَلُبْسُ الْمَخِيطِ) كَالْقَمِيصِ (أَوْ الْمَنْسُوجِ) كَالزَّرْدِ (أَوْ الْمَعْقُودِ) كَجُبَّةِ اللَّبَدِ (فِي سَائِرِ) أَيْ بَاقِي (بَدَنِهِ) أَيْ الرَّجُلِ (إلَّا إذَا لَمْ يَجِدْ غَيْرَهُ) فَيَجُوزُ لُبْسُ السَّرَاوِيلِ مِنْهُ وَالْخُفَّيْنِ إذَا قُطِعَا أَسْفَلَ مِنْ الْكَعْبَيْنِ وَلَا فِدْيَةَ، وَإِنْ احْتَاجَ إلَى لُبْسِ الْمَخِيطِ لِمُدَاوَاةٍ أَوْ حَرٍّ أَوْ بَرْدٍ جَازَ وَوَجَبَتْ الْفِدْيَةُ كَمَا تَقَدَّمَ فِي السِّتْرِ، وَإِنْ سَتَرَ أَوْ لَبِسَ الْمَخِيطَ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ وَجَبَتْ الْفِدْيَةُ، وَمِنْ الْمُحَرَّمِ عَلَيْهِ الْقُفَّازُ، وَسَيَأْتِي وَأُلْحِقَ بِهِ مَا لَوْ اتَّخَذَ لِسَاعِدِهِ مَثَلًا مَخِيطًا، أَوْ لِلِحْيَتِهِ خَرِيطَةً يُغْلِقُهَا بِهَا إذَا خَضَّبَهَا (وَوَجْهُ الْمَرْأَةِ كَرَأْسِهِ) أَيْ الرَّجُلِ فِي حُرْمَةِ السَّتْرِ الْمَذْكُورِ فِيهِ إلَّا لِحَاجَةٍ فَيَجُوزُ، وَتَجِبُ الْفِدْيَةُ مَا تَقَدَّمَ وَإِنْ سَتَرَتْهُ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ وَجَبَتْ الْفِدْيَةُ (وَلَهَا لُبْسُ الْمَخِيطِ) فِي الرَّأْسِ وَغَيْرِهِ (إلَّا الْقُفَّازَ فِي الْأَظْهَرِ) وَهُوَ مَخِيطٌ مَحْشُوٌّ بِقُطْنٍ يُعْمَلُ لِلْيَدَيْنِ لِيَقِيَهُمَا مِنْ الْبَرْدِ وَيُزَرُّ عَلَى السَّاعِدَيْنِ رَوَى الشَّيْخَانِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ«فِي الْمُحْرِمِ الَّذِي خَرَّ مِنْ بَعِيرِهِ مَيِّتًا: لَا تُخَمِّرُوا رَأْسَهُ فَإِنَّهُ يُبْعَثُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُلَبِّيًا» وَأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:«لَا يَلْبَسُ الْمُحْرِمُ الْقَمِيصَ وَلَا السَّرَاوِيلَ وَلَا الْبُرْنُسَ وَلَا الْعِمَامَةَ وَلَا الْخُفَّ إلَّا أَنْ لَا يَجِدَ النَّعْلَيْنِ فَلْيَلْبَسْ الْخُفَّيْنِ وَلْيَقْطَعْهَا حَتَّى يَكُونَا أَسْفَلَ مِنْ الْكَعْبَيْنِ، وَلَا يَلْبَسُ مِنْ الثِّيَابِ مَا مَسَّهُ وَرْسٌ أَوْ زَعْفَرَانٌ» زَادَ الْبُخَارِيُّ«وَلَا تَنْتَقِبُ الْمَرْأَةُ وَلَا تَلْبَسُ الْقُفَّازَيْنِ». وَرَوَيَا أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:«السَّرَاوِيلُ لِمَنْ لَمْ يَجِدْ الْإِزَارَ». وَرَوَى مُسْلِمٌ«مَنْ لَمْ يَجِدْ إزَارًا فَلْيَلْبَسْ سَرَاوِيلَ»، وَرَوَى الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ أَنَّهُ كَانَ يَأْمُرُ بَنَاتَه بِلُبْسِ الْقُفَّازَيْنِ فِي الْإِحْرَامِ، وَرَوَى الدَّارَقُطْنِيَّ وَالْبَيْهَقِيُّ حَدِيثَ«لَيْسَ عَلَى الْمَرْأَةِ إحْرَامٌ إلَّا فِي وَجْهِهَا»، قَالَا: وَالصَّحِيحُ وَقْفُهُ عَلَى ابْنِ عُمَرَ رَاوِيهِ، وَالْأَصْلُ فِي وُجُوبِ الْفِدْيَةِ قَوْله تَعَالَى:{فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ} أَيْ فَحَلَقَ فَفِدْيَةٌ وَقِيسَ عَلَى الْحَلْقِ بَاقِي الْمُحَرَّمَاتِ لِلْعُذْرِ فَلِغَيْرِهِ أَوْلَى، ثُمَّ اللُّبْسُ مَرْعِيٌّ فِي وُجُوبِ الْفِدْيَةِ عَلَى مَا يُعْتَادُ فِي كُلِّ مَلْبُوسٍ، فَلَوْ ارْتَدَى بِقَمِيصٍ أَوْ اتَّزَرَ بِسَرَاوِيلَ فَلَا فِدْيَةَ، كَمَا لَوْ اتَّزَرَ بِإِزَارٍ مُلَفَّقٍ مِنْ رِقَاعٍ وَلَوْ لَمْ يَجِدْ رِدَاءً، لَمْ يَجُزْ لَهُ لُبْسُ الْقَمِيصِ بَلْ يَرْتَدِي بِهِ وَلَوْ لَمْ يَجِدْ إزَارًا وَوَجَدَ سَرَاوِيلَ يَتَأَتَّى الِاتِّزَارُ بِهِ عَلَى هَيْئَتِهِ اتَّزَرَ بِهِ وَلَمْ يَجُزْ لَهُ لُبْسُهُ، كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ وَالْمُرَادُ بِعَدَمِ وُجْدَانِ الْإِزَارِ أَوْ النَّعْلَيْنِ الْمَذْكُورِ فِي الْحَدِيثِ أَنْ لَا يَكُونَ فِي مِلْكِهِ وَلَا يَقْدِرَ عَلَى تَحْصِيلِهِ بِشِرَاءٍ أَوْ اسْتِئْجَارٍ بِعِوَضِ مِثْلِهِ أَوْ اسْتِعَارَةٍ بِخِلَافِ الْهِبَةِ، فَلَا يَلْزَمُ قَبُولُهَا لِعِظَمِ الْمِنَّةِ فِيهَا وَإِذَا وَجَدَ الْإِزَارَ أَوْ النَّعْلَيْنِ بَعْدَ لُبْسِ السَّرَاوِيلِ أَوْ الْخُفَّيْنِ الْجَائِزِ لَهُ وَجَبَ نَزْعُ ذَلِكَ فَإِنْ أَخَّرَ، وَجَبَتْ الْفِدْيَةُ وَيَجُوزُ لَهُ أَنْ يَعْقِدَ الْإِزَارَ وَيَشُدَّ عَلَيْهِ خَيْطًا لِيَثْبُتَ وَأَنْ يَجْعَلَ لَهُ مِثْلَ الْحُجْزَةِ وَيُدْخِلَ فِيهَا التِّكَّةَ إحْكَامًا، وَأَنْ يَغْرِزَ طَرَفَ رِدَائِهِ فِي طَرَفِ إزَارِهِ وَلَا يَجُوزُ عَقْدُ الرِّدَاءِ وَلَا حَلُّهُ بِخِلَالٍ أَوْ مِسَلَّةٍ وَلَا رَبْطُ طَرَفِهِ إلَى طَرَفِهِ بِخَيْطٍ وَنَحْوِهِ، فَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ لَزِمَتْهُ الْفِدْيَةُ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْمَخِيطِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ مُسْتَمْسِكٌ بِنَفْسِهِ، قَالَهُ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ.
وَلَا بُدَّ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَسْتُرَ مِنْ الْوَجْهِ الْقَدْرَ الْيَسِيرَ الَّذِي يَلِي الرَّأْسَ إذْ لَا يُمْكِنُ اسْتِيعَابُ سَتْرِ الرَّأْسِ الْوَاجِبِ إلَّا بِهِ وَلَهَا أَنْ تَسْدُلَ عَلَى وَجْهِهَا ثَوْبًا مُتَجَافِيًا عَنْهُ بِخَشَبَةٍ، وَنَحْوِهَا لِحَاجَةٍ مِنْ حَرٍّ أَوْ بَرْدٍ أَوْ فِتْنَةٍ، وَنَحْوِهَا أَوْ لِغَيْرِ حَاجَةٍ فَإِنْ وَقَعَتْ الْخَشَبَةُ فَأَصَابَ الثَّوْبُ وَجْهَهَا بِغَيْرِ اخْتِيَارِهَا وَرَفَعَتْهُ فِي الْحَالِ فَلَا فِدْيَةَ وَإِنْ كَانَ عَمْدًا أَوْ اسْتَدَامَتْهُ لَزِمَهَا الْفِدْيَةُ، قَالَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ مَا ذُكِرَ فِي إحْرَامِ الْمَرْأَةِ وَلُبْسِهَا لَمْ يُفَرِّقُوا فِيهِ بَيْنَ الْحُرَّةِ وَالْأَمَةِ وَشَذَّ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فَحَكَى وَجْهًا أَنَّ الْأَمَةَ كَالرَّجُلِ فِي حُكْمِ الْإِحْرَامِ، وَوَجْهَيْنِ فِيمَنْ نِصْفُهَا حُرٌّ وَنِصْفُهَا رَقِيقٌ هَلْ هِيَ كَالْأَمَةِ أَوْ كَالْحُرَّةِ وَإِذَا سَتَرَ الْخُنْثَى الْمُشْكِلُ رَأْسَهُ فَقَطْ أَوْ وَجْهَهُ فَقَطْ فَلَا فِدْيَةَ وَإِنْ سَتَرَهُمَا وَجَبَتْ، وَفِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ عَنْ الْقَاضِي أَبِي الْفُتُوحِ وَلَيْسَ لَهُ كَشْفُهُمَا لِأَنَّ فِيهِ تَرْكًا لِلْوَاجِبِ، وَلَهُ كَشْفُ الْوَجْهِ، قَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ: وَقِيَاسُهُ وَلُبْسُ الْمَخِيطِ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَسْتَتِرَ بِغَيْرِهِ لِجَوَازِ كَوْنِهِ رَجُلًا، فَإِنْ لَبِسَهُ فَلَا فِدْيَةَ لِجَوَازِ كَوْنِهِ امْرَأَةً. وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ: لَا خِلَافَ أَنَّا نَأْمُرُهُ بِالسِّتْرِ وَلُبْسِ الْمَخِيطِ، كَمَا نَأْمُرُ أَنْ يَسْتَتِرَ فِي صَلَاتِهِ كَالْمَرْأَةِ وَلَا تَلْزَمُهُ الْفِدْيَةُ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَتُهُ. وَقِيلَ تَلْزَمُهُ احْتِيَاطًا.
(الثَّانِي) مِنْ مُحَرَّمَاتِ الْإِحْرَامِ (اسْتِعْمَالُ الطِّيبِ فِي ثَوْبِهِ أَوْ بَدَنِهِ) كَالْمِسْكِ وَالْكَافُورِ وَالْوَرْسِ وَهُوَ أَشْهُرُ طِيبٍ فِي بِلَادِ الْيَمَنِ وَالزَّعْفَرَانِ، وَإِنْ كَانَ يُطْلَبُ لِلصَّبْغِ وَالتَّدَاوِي أَيْضًا وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ مَعَ الْوَرْسِ فِي الْحَدِيثِ فِي الثَّوْبِ وَقِيسَ عَلَيْهِ الْبَدَنُ، وَعَلَيْهِمَا بَقِيَّةُ أَنْوَاعِ الطِّيبِ وَأُدْرِجَ فِيهِ مَا مُعْظَمُ الْغَرَضِ مِنْهُ رَائِحَتُهُ الطَّيِّبَةُ كَالْوَرْدِ وَالْيَاسَمِينِ وَالنِّرْجِسِ وَالْبَنَفْسَجِ وَالرَّيْحَانِ الْفَارِسِيِّ وَمَا اشْتَمَلَ عَلَى الطِّيبِ مِنْ الدُّهْنِ، كَدُهْنِ الْوَرْدِ وَدُهْنِ الْبَنَفْسَجِ، وَعُدَّ مِنْ اسْتِعْمَالِ الطِّيبِ أَنْ يَأْكُلَهُ أَوْ يَحْتَقِنَ بِهِ أَوْ يَسْتَعْطِ وَأَنْ يَحْتَوِيَ عَلَى مِجْمَرَةِ عُودٍ فَيَتَبَخَّرَ بِهِ وَأَنْ يَشُدَّ الْمِسْكَ أَوْ الْعَنْبَرَ فِي طَرَفِ ثَوْبِهِ أَوْ تَضَعَهُ الْمَرْأَةُ فِي جَيْبِهَا أَوْ تَلْبَسَ الْحُلِيَّ الْمَحْشُوَّ بِهِ وَأَنْ يَجْلِسَ أَوْ يَنَامَ عَلَى فِرَاشٍ مُطَيَّبٍ أَوْ أَرْضٍ مُطَيَّبَةٍ وَأَنْ يَدُوسَ الطِّيبَ بِنَعْلِهِ لِأَنَّهَا مَلْبُوسَةٌ، وَمَعْنَى اسْتِعْمَالُ الطِّيبِ فِي مَحَلِّ إلْصَاقٍ بِهِ تَطَيُّبًا فَلَا اسْتِعْمَالَ بِشَمِّ مَاءِ الْوَرْدِ وَلَا بِحَمْلِ الْمِسْكِ وَنَحْوِهِ، فِي كِيسٍ أَوْ نَحْوِهِ وَلَا بِأَكْلٍ الْعُودِ أَوْ شَدِّهِ فِي ثَوْبِهِ لِأَنَّ التَّطَيُّبَ بِهِ إنَّمَا يَكُونُ بِالتَّبَخُّرِ بِهِ، وَلَا يَحْرُمُ عَلَى الْمُحْرِمِ اسْتِعْمَالُ الطِّيبِ جَاهِلًا بِكَوْنِهِ طِيبًا أَوْ ظَانًّا أَنَّهُ يَابِسٌ لَا يَعْلَقُ بِهِ مِنْهُ شَيْءٌ أَوْ نَاسِيًا لِإِحْرَامِهِ وَلَا فِدْيَةَ فِي ذَلِكَ وَلَا فِيمَا إذَا أَلْقَتْ عَلَيْهِ الرِّيحُ الطِّيبَ لَكِنْ يَلْزَمُهُ الْمُبَادَرَةُ إلَى إزَالَتِهِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ وَفِيمَا قَبْلَهَا عِنْدَ زَوَالِ عُذْرِهِ، فَإِنْ أَخَّرَ وَجَبَتْ الْفِدْيَةُ كَمَا تَجِبُ فِي اسْتِعْمَالِهِ الْمُحَرَّمَ، وَتَجِبُ فِيهِ الْمُبَادَرَةُ إلَى الْإِزَالَةِ أَيْضًا. (وَدَهْنُ شَعْرِ الرَّأْسِ أَوْ اللِّحْيَةِ) بِدُهْنٍ غَيْرِهِ مُطَيِّبٍ كَالزَّيْتِ وَالسَّمْنِ وَالزُّبْدِ وَدُهْنِ اللَّوْزِ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّزَيُّنِ الْمُنَافِي لِحَدِيثِ الْمُحْرِمُ، أَشْعَثُ أَغْبَرُ أَيْ شَأْنُهُ الْمَأْمُورُ بِهِ ذَلِكَ فَفِي مُخَالَفَتِهِ بِالدَّهْنِ الْمَذْكُورِ الْفِدْيَةُ وَفِي دَهْنِ الرَّأْسِ الْمَحْلُوقِ الْفِدْيَةُ فِي الْأَصَحِّ لِتَأْثِيرِهِ فِي تَحْسِينِ الشَّعْرِ الَّذِي يَنْبُتُ بَعْدَهُ، وَلَا فِدْيَةَ فِي دَهْنِ رَأْسِ الْأَقْرَعِ وَالْأَصْلَعِ وَذَقْنِ الْأَمْرَدِ، وَيَجُوزُ اسْتِعْمَالُ هَذَا الدُّهْنِ فِي سَائِرِ الْبَدَنِ شَعْرِهِ وَبَشَرِهِ لِأَنَّهُ لَا يَقْصِدُ تَزْيِينَهُ وَيَجُوزُ أَكْلُهُ.
(وَلَا يُكْرَهُ غَسْلُ بَدَنِهِ وَرَأْسِهِ بِخَطْمِيٍّ) أَوْ سِدْرٍ أَيْ يَجُوزُ ذَلِكَ لَكِنَّ الْمُسْتَحَبَّ أَنْ لَا يَفْعَلَ وَحَكَى قَدِيمٌ بِكَرَاهَتِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّزْيِينِ، وَلَا فِدْيَةَ فِيهِ وَفَارَقَهُ دَهْنُ شَعْرِ الرَّأْسِ بِأَنَّ فِيهِ مَعَ التَّزْيِينِ التَّنْمِيَةَ.
(الثَّالِثُ) مِنْ مُحَرَّمَاتِ الْإِحْرَامِ (إزَالَةُ الشَّعْرِ) مِنْ الرَّأْسِ أَوْ غَيْرِهِ حَلْقًا أَوْ غَيْرَهُ (أَوْ الظُّفْرِ) مِنْ الْيَدِ أَوْ الرِّجْلِ قَلْمًا أَوْ غَيْرَهُ قَالَ تَعَالَى{وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} وَقِيسَ عَلَى شَعْرِ الرَّأْسِ شَعْرُ بَاقِي الْجَسَدِ وَعَلَى الْحَلْقِ غَيْرُهُ وَعَلَى إزَالَةِ الشَّعْرِ إزَالَةُ الظُّفْرِ بِجَامِعِ التَّرَفُّهِ فِي الْجَمِيعِ وَالْمُرَادُ بِالشَّعْرِ الْجِنْسُ الصَّادِقُ بِالْوَاحِدَةِ فَصَاعِدًا لِمَا سَيَأْتِي (وَتَكْمُلُ الْفِدْيَةُ فِي) إزَالَةِ (ثَلَاثِ شَعَرَاتٍ أَوْ ثَلَاثَةِ أَظْفَارٍ) لِأَنَّهَا تَجِبُ عَلَى الْمَعْذُورِ بِالْحَلْقِ لِلْآيَةِ كَمَا سَيَأْتِي فَعَلَى غَيْرِهِ أَوْلَى وَالشَّعْرُ يَصْدُقُ بِالثَّلَاثِ وَقِيسَ بِهَا الْأَظْفَارُ، وَلَا يُعْتَبَرُ جَمِيعُهُ بِالْإِجْمَاعِ وَتُعْتَبَرُ إزَالَةُ الثَّلَاثِ أَوْ الثَّلَاثَةِ دَفْعَةً وَاحِدَةً فِي مَكَانٍ وَاحِدٍ، وَلَوْ حَلَقَ جَمِيعَ شَعْرِ رَأْسِهِ دَفْعَةً وَاحِدَةً فِي مَكَانٍ وَاحِدٍ لَمْ يَلْزَمْهُ إلَّا فِدْيَةٌ وَاحِدَةٌ، لِأَنَّهُ يُعَدُّ فِعْلًا وَاحِدًا وَكَذَا لَوْ حَلَقَ جَمِيعَ شَعْرِ رَأْسِهِ وَبَدَنِهِ عَلَى التَّوَاصُلِ وَيُقَاسُ بِالشَّعْرِ فِي ذَلِكَ الْأَظْفَارُ مِنْ الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ، وَلَوْ حَلَقَ شَعْرَ رَأْسِهِ فِي مَكَانَيْنِ أَوْ فِي مَكَانٍ وَاحِدٍ لَكِنْ فِي زَمَانَيْنِ مُتَفَرِّقَيْنِ وَجَبَتْ فِدْيَتَانِ، وَقِيلَ: وَاحِدَةٌ وَلَوْ حَلَقَ ثَلَاثَ شَعَرَاتٍ فِي ثَلَاثَةِ أَمْكِنَةٍ أَوْ فِي ثَلَاثَةِ أَوْقَاتٍ مُتَفَرِّقَةٍ وَجَبَ فِي كُلِّ وَاحِدَةٍ مَا يَجِبُ فِيهَا لَوْ انْفَرَدَتْ وَقَدْ ذَكَرَهُ فِي قَوْلِهِ (وَالْأَظْهَرُ أَنَّ فِي الشَّعْرَةِ مُدُّ طَعَامٍ وَفِي الشَّعْرَتَيْنِ مُدَّيْنِ) وَالثَّانِي فِي الشَّعْرَةِ دِرْهَمٌ وَفِي الشَّعْرَتَيْنِ دِرْهَمَانِ، وَالثَّالِثُ ثُلُثُ دَمٍ وَثُلُثَانِ عَلَى قِيَاسِ وُجُوبِ الدَّمِ فِي الثَّلَاثِ عِنْدَ اخْتِيَارِهِ، وَالْأَوَّلَانِ قَالَا تَبْعِيضُ الدَّمِ عُسْرٌ فَعَدَلَ الْأَوَّلُ مِنْهُمَا إلَى الطَّعَامِ لِأَنَّ الشَّرْعَ عَدْلُ الْحَيَوَانِ بِهِ فِي جَزَاءِ الصَّيْدِ وَغَيْرِهِ وَالشَّعْرَةُ الْوَاحِدَةَ هِيَ النِّهَايَةُ فِي الْقِلَّةِ وَالْمُدُّ أَقَلُّ مَا وَجَبَ فِي الْكَفَّارَاتِ فَقُوبِلَتْ بِهِ، وَعَدْلُ الثَّانِي إلَى الْقِيمَةِ وَكَانَتْ قِيمَةُ الشَّاةِ فِي عَهْدِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلَاثَةَ دَرَاهِمَ تَقْرِيبًا، فَاعْتُبِرَتْ عِنْدَ الْحَاجَةِ إلَى التَّوْزِيعِ وَتَجْرِي الْأَقْوَالُ فِي الظُّفْرِ وَالظُّفْرَيْنِ (وَلِلْمَعْذُورِ) فِي الْحَلْقِ (أَنْ يَحْلِقَ وَيَفْدِيَ) لِلْآيَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ وَسَوَاءٌ كَانَ عُذْرُهُ بِكَثْرَةِ الْقُمَّلِ أَمْ لِلتَّأَذِّي بِجِرَاحَةٍ أَوْ بِالْحَرِّ. (الرَّابِعُ) مِنْ مُحَرَّمَاتِ الْإِحْرَامِ (الْجِمَاعُ) قَالَ تَعَالَى{فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ} أَيْ فَلَا تَرْفُثُوا وَلَا تَفْسُقُوا وَالرَّفَثُ مُفَسَّرٌ بِالْجِمَاعِ (وَتَفْسُدُ بِهِ الْعُمْرَةُ) قَبْلَ الْحَلْقِ إنْ جَعَلْنَاهُ نُسُكًا وَإِلَّا فَقِيلَ السَّعْيِ (وَكَذَا الْحَجُّ) يَفْسُدُ بِهِ (قَبْلَ التَّحَلُّلِ الْأَوَّلِ) بَعْدَ الْوُقُوفِ أَوْ قَبْلَهُ وَلَا يَفْسُدُ بِهِ وَبَيْنَ التَّحَلُّلَيْنِ وَقِيلَ يَفْسُدُ وَلَا تَفْسُدُ بِهِ الْعُمْرَةُ فِي ضِمْنِ الْقِرَانِ أَيْضًا لِتَبَعِهَا لَهُ، وَقِيلَ تَفْسُدُ بِهِ إنْ لَمْ يَأْتِ بِشَيْءٍ مِنْ أَعْمَالِهَا وَاللِّوَاطُ كَالْجِمَاعِ وَكَذَا إتْيَانٌ لِلْبَهِيمَةِ عَلَى الصَّحِيحِ، وَلَا فَسَادَ بِجِمَاعِ النَّاسِي وَالْجَاهِلِ بِالتَّحْرِيمِ وَمَنْ جُنَّ بَعْدَ أَنْ أَحْرَمَ عَاقِلًا فِي الْجَدِيدِ (وَتَجِبُ بِهِ) أَيْ بِالْجِمَاعِ الْمُفْسِدِ (بَدَنَةٌ) وَقِيلَ: لَا يَجِبُ فِي إفْسَادِ الْعُمْرَةِ إلَّا شَاةٌ فِي الْجِمَاعِ بَيْنَ التَّحَلُّلَيْنِ بِنَاءً عَلَى عَدَمِ الْفَسَادِ بِهِ شَاةٌ. وَفِي قَوْلٍ: بَدَنَةٌ. وَلَوْ جَامَعَ ثَانِيًا بَعْدَ أَنْ فَسَدَ حَجُّهُ بِالْجِمَاعِ وَجَبَ فِي الْجِمَاعِ الثَّانِي شَاةٌ وَفِي قَوْلٍ بَدَنَةٌ وَلَوْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ مُحْرِمَةً أَيْضًا، وَفَسَدَ حَجُّهَا بِالْجِمَاعِ بِأَنْ طَاوَعَتْهُ فَلَا بَدَنَةَ عَلَيْهَا فِي الْأَظْهَرِ وَالْبَدَنَةُ الْوَاحِدُ مِنْ الْإِبِلِ أَوْ الْبَقَرِ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى (وَالْمُضِيُّ فِي فَاسِدِهِ) أَيْ الْمَذْكُورِ مِنْ حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ بِأَنْ يُتِمَّ قَالَ تَعَالَى:{وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} وَهُوَ يَتَنَاوَلُ الصَّحِيحَ وَالْفَاسِدَ، وَغَيْرُ النُّسُكِ مِنْ الْعِبَادَاتِ لَا يَمْضِي فِي فَاسِدِهِ إذْ يَحْصُلُ الْخُرُوجُ مِنْهُ بِالْفَسَادِ (وَالْقَضَاءُ) اتِّفَاقًا (وَإِنْ كَانَ نُسُكُهُ تَطَوُّعًا) فَإِنَّ التَّطَوُّعَ مِنْهُ يَصِيرُ بِالشُّرُوعِ فِيهِ فَرْضًا أَيْ وَاجِبَ الْإِتْمَامِ كَالْفَرْضِ بِخِلَافِ غَيْرِهِ مِنْ التَّطَوُّعِ (وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ) أَيْ الْقَضَاءَ (عَلَى الْفَوْرِ) وَالثَّانِي عَلَى التَّرَاخِي كَالْأَدَاءِ وَالْأَوَّلُ نَظَرَ إلَى تَضَيُّقِهِ بِالشُّرُوعِ فِيهِ وَيَقَعُ الْقَضَاءُ عَنْ الْمُفْسِدِ وَيَتَأَدَّى بِهِ مَا كَانَ يَتَأَدَّى بِالْمُفْسِدِ، لَوْلَا الْفَسَادُ مِنْ فَرْضِ الْإِسْلَامِ أَوْ غَيْرِهِ وَيَلْزَمُهُ أَنْ يُحْرِمَ فِي الْقَضَاءِ مِمَّا أَحْرَمَ مِنْهُ فِي الْأَدَاءِ مِنْ مِيقَاتٍ أَوْ قَبْلَهُ مِنْ دُوَيْرَةِ أَهْلِهِ أَوْ غَيْرِهَا، وَإِنْ كَانَ جَاوَزَ الْمِيقَاتَ مَرَّ بِهِ النُّسُكُ لَزِمَهُ فِي الْقَضَاءِ الْإِحْرَامُ مِنْهُ وَكَذَا إنْ كَانَ جَاوَزَهُ غَيْرَ مُرِيدٍ فِي الْأَصَحِّ هَذَا إنْ سَلَكَ فِي الْقَضَاءِ طَرِيقَ الْأَدَاءِ، قَالَ فِي الرَّوْضَةِ: وَلَا يَلْزَمُهُ سُلُوكُهُ بِلَا خِلَافٍ، لَكِنْ يُشْتَرَطُ إذَا سَلَكَ غَيْرَهُ أَنْ يُحْرِمَ مِنْ قَدْرِ مَسَافَةِ الْإِحْرَامِ فِي الْأَدَاءِ، يَعْنِي إنْ لَمْ يَكُنْ جَاوَزَ الْمِيقَاتَ غَيْرَ مُحْرِمٍ وَلَا يَلْزَمُهُ أَنْ يُحْرِمَ فِي مِثْلِ الزَّمَنِ الَّذِي كَانَ أَحْرَمَ فِيهِ بِالْأَدَاءِ فَلَهُ التَّأْخِيرُ عَنْهُ وَالتَّقْدِيمُ عَلَيْهِ، وَيُتَصَوَّرُ قَضَاءُ الْحَجِّ فِي عَامِ الْإِفْسَادِ بِأَنْ يُحْصَرَ بَعْدَ الْإِفْسَادِ وَيَتَعَذَّرَ عَلَيْهِ الْمُضِيُّ فِي الْفَاسِدِ فَيُحْلِلُ ثُمَّ يَزُولُ الْحَصْرُ وَالْوَقْتُ بَاقٍ فَيَشْتَغِلُ بِالْقَضَاءِ وَلَوْ أَفْسَدَ الْقَضَاءَ بِالْجِمَاعِ لَزِمَتْهُ الْكَفَّارَةُ وَلَزِمَهُ قَضَاءٌ وَاحِدٌ.
(تَتِمَّةٌ): يَحْرُمُ عَلَى الْمُحْرِمِ مُقَدِّمَاتُ الْجِمَاعِ بِشَهْوَةٍ كَالْمُفَاخَذَةِ وَالْقُبْلَةِ وَاللَّمْسِ قَبْلَ التَّحَلُّلِ الْأَوَّلِ فِي الْحَجِّ وَقَبْلَ الْحَلْقِ فِي الْعُمْرَةِ، وَلَا يَفْسُدُ بِشَيْءٍ مِنْهَا النُّسُكُ وَتَجِبُ بِهِ الْفِدْيَةُ لَا الْبَدَنَةُ، وَإِنْ أَنْزَلَ وَالِاسْتِمْنَاءُ بِالْيَدِ يُوجِدُ الْفِدْيَةَ فِي الْأَصَحِّ، وَلَا فِدْيَةَ عَلَى النَّاسِي بِلَا خِلَافٍ وَيَلْحَقُ بِهِ الْجَاهِلُ بِالتَّحْرِيمِ، وَمَنْ أَحْرَمَ عَاقِلًا ثُمَّ جُنَّ أَخْذًا مِمَّا تَقَدَّمَ فِي الْجِمَاعِ وَلَوْ بَاشَرَ دُونَ الْفَرْجِ ثُمَّ جَامَعَ دَخَلَتْ الشَّاةُ فِي الْبَدَنَةِ فِي الْأَصَحِّ.
(الْخَامِسُ) مِنْ مُحَرَّمَاتِ الْإِحْرَامِ (اصْطِيَادُ كُلِّ) صَيْدٍ (مَأْكُولٍ بَرِّيٍّ) مِنْ طَيْرٍ أَوْ دَابَّةٍ وَكَذَا وَضْعُ الْيَدِ عَلَيْهِ بِشِرَاءٍ أَوْ غَيْرِهِ، قَالَ تَعَالَى:{وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا} أَيْ أَخْذُهُ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْمُسْتَأْنَسِ وَغَيْرِهِ، وَلَا بَيْنَ الْمَمْلُوكِ وَغَيْرِهِ وَلَوْ تَوَحَّشَ إنْسِيٌّ لَمْ يَحْرُمُ التَّعَرُّضُ لَهُ وَلَا يَحْرُمُ التَّعَرُّضُ لِغَيْرِ الْمَأْكُولِ فَمِنْهُ مَا هُوَ مُؤْذٍ فَيُسْتَحَبُّ قَتْلُهُ كَالنَّمِرِ وَالنِّسْرِ وَمِنْهُ مَا فِيهِ مَنْفَعَةٌ وَمَضَرَّةٌ، كَالْفَهْدِ وَالصَّقْرِ فَلَا يُسْتَحَبُّ قَتْلُهُ لِنَفْعِهِ، وَلَا يُكْرَهُ لِضَرَرِهِ وَمِنْهُ مَا لَا يَظْهَرُ فِيهِ نَفْعٌ وَلَا ضَرَرٌ كَالسَّرَطَانِ وَالرَّخْمَةِ فَيُكْرَهُ قَتْلُهُ، وَيَحِلُّ اصْطِيَادُ الْبَحْرِيِّ وَهُوَ مَا لَا يَعِيشُ إلَّا فِي الْبَحْرِ أَمَّا مَا يَعِيشُ فِيهِ فِي الْبَرِّ فَكَالْبَرِّيِّ (قُلْت) كَمَا قَالَ الرَّافِعِيُّ فِي الشَّرْحِ: (وَكَذَا الْمُتَوَلِّدُ مِنْهُ) أَيْ مِنْ الْمَأْكُولِ الْبَرِّيِّ (وَمِنْ غَيْرِهِ) يَحْرُمُ اصْطِيَادُهُ (وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) احْتِيَاطًا وَيَصْدُقُ غَيْرُهُ بِغَيْرِ الْمَأْكُولِ مِنْ وَحْشِيٍّ أَوْ إنْسِيٍّ، وَبِالْمَأْكُولِ غَيْرِ الْبَرِّيِّ أَيْ الْإِنْسِيِّ مِثَالُهَا الْمُتَوَلِّدُ مِنْ الضَّبْعِ وَالذِّئْبِ وَالْمُتَوَلِّدُ مِنْ الْحِمَارِ الْوَحْشِيِّ وَالْحِمَارِ الْأَهْلِيِّ وَالْمُتَوَلِّدُ مِنْ الظَّبْيِ وَالشَّاةِ (وَيَحْرُمُ ذَلِكَ) أَيْ اصْطِيَادُ الْمَأْكُولِ الْبَرِّيِّ وَالْمُتَوَلِّدِ مِنْهُ وَمِنْ غَيْرِهِ (فِي الْحَرَمِ عَلَى الْحَلَالِ) وَيَحْرُمُ عَلَيْهِ وَضْعُ الْيَدِ عَلَيْهِ بِشِرَاءٍ أَوْ غَيْرِهِ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ شَرْحِ الْمُهَذَّبِ«قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ: إنَّ هَذَا الْبَلَدَ حَرَامٌ بِحُرْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى لَا يُعْضَدُ شَجَرُهُ وَلَا يُنَفَّرُ صَيْدُهُ» الْحَدِيثَ. رَوَاهُ الشَّيْخَانِ. أَيْ لَا يَجُوزُ تَنْفِيرُ صَيْدِهِ لِمُحْرِمٍ وَلَا حَلَالٍ فَاصْطِيَادُهُ وَمَا ذَكَرَ مَعَهُ أَوْلَى وَقِيسَ عَلَى مَكَّةَ بَاقِي الْحَرَمِ، وَقَوْلُهُ فِي الْحَرَمِ حَالٌ مِنْ ذَا الْمُشَارِ بِهِ إلَى الِاصْطِيَادِ وَهُوَ نِسْبَةٌ مُتَعَلِّقَةٌ بِالصَّائِدِ وَالْمَصِيدِ صَادِقٌ بِمَا إذَا كَانَا فِي الْحَرَمِ أَوْ أَحَدُهُمَا فِيهِ وَالْآخَرُ فِي الْحِلِّ، كَأَنْ رَمَى مِنْ الْحَرَمِ صَيْدًا فِي الْحِلِّ، أَوْ مِنْ الْحِلِّ صَيْدًا فِي الْحَرَمِ أَوْ أَرْسَلَ كَلْبًا فِي الصُّورَتَيْنِ فَيَحْرُمُ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ (فَإِنْ أَتْلَفَ) مَنْ حُرِّمَ عَلَيْهِ الِاصْطِيَادُ الْمَذْكُورُ مِنْ مُحْرِمٍ أَوْ لِحَلَالٍ كَمَا تَقَدَّمَ (صَيْدًا) مِمَّا ذُكِرَ مَمْلُوكًا أَوْ غَيْرَ مَمْلُوكٍ (ضَمِنَهُ) بِمَا سَيَأْتِي قَالَ تَعَالَى:{لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنْ النَّعَمِ} الْآيَةَ وَقِيسَ عَلَى الْمُحْرِمِ الْحَلَالُ الْمَذْكُورُ بِجَامِعِ حُرْمَةِ الِاصْطِيَادِ.
وَلَوْ تَسَبَّبَ فِي تَلَفِ الصَّيْدِ كَأَنْ أَرْسَلَ كَلْبًا فَأَتْلَفَهُ، أَوْ نَصَبَ الْحَلَالُ شَبْكَةً فِي الْحَرَمِ أَوْ نَصَبَهَا الْمُحْرِمُ حَيْثُ كَانَ فَتَعَلَّقَ بِهَا صَيْدٌ وَهَلَكَ ضَمِنَهُ كَمَا لَوْ أَتْلَفَهُ، وَلَوْ تَلِفَ فِي يَدِ الْمُحْرِمِ صَيْدٌ ضَمِنَهُ كَالْغَاصِبِ لِحُرْمَةِ إمْسَاكِهِ وَكَذَا لَوْ تَلِفَ فِي يَدِ الْحَلَالِ صَيْدٌ مِنْ الْحَرَمِ يَضْمَنُهُ لِمَا ذُكِرَ، بِخِلَافِ مَا لَوْ أَدْخَلَ مَعَهُ إلَى الْحَرَمِ صَيْدًا مَمْلُوكًا لَهُ فَلَهُ إمْسَاكُهُ فِيهِ وَذَبْحُهُ وَالتَّصَرُّفُ فِيهِ كَيْفَ شَاءَ لِأَنَّهُ صَيْدُ حِلٍّ وَلَوْ أَحْرَمَ مَنْ فِي مِلْكِهِ صَيْدٌ بِيَدِهِ زَالَ مِلْكُهُ عَنْهُ وَلَزِمَهُ إرْسَالُهُ وَإِنْ تَحَلَّلَ، وَلَا يَمْلِكُ مُحْرِمٌ صَيْدَهُ وَيَلْزَمُهُ إرْسَالُهُ وَمَا أَخَذَهُ مِنْ الصَّيْدِ بِشِرَاءٍ لَا يَمْلِكُهُ لِعَدَمِ صِحَّةِ شِرَائِهِ وَيَلْزَمُهُ رَدُّهُ إلَى مَالِكِهِ وَيُقَاسُ بِالْمُحْرِمِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ الْحَلَالُ فِي الْحَرَمِ، ثُمَّ لَا فَرْقَ فِي الضَّمَانِ بِالْإِتْلَافِ وَغَيْرِهِ بَيْنَ الْعَامِدِ وَالْخَاطِئِ، وَالنَّاسِي لِلْإِحْرَامِ، وَفِي الْمُهَذَّبِ وَغَيْرِهِ وَالْجَاهِلُ بِالتَّحْرِيمِ كَمَا فِي الضَّمَانَاتِ الْوَاجِبَةِ لِلْآدَمِيِّينَ، وَلَا مَفْهُومَ لِمُتَعَمِّدٍ فِي الْآيَةِ، نَعَمْ لَوْ صَالَ صَيْدٌ عَلَى مُحْرِمٍ أَوْ عَلَى حَلَالٍ فِي الْحَرَمِ فَقَتَلَهُ دَفْعًا فَلَا ضَمَانَ وَلَوْ خَلَّصَ الْمُحْرِمُ صَيْدًا مِنْ فَمِ سَبْعٍ أَوْ هِرَّةٍ أَوْ نَحْوِهِمَا وَأَخَذَهُ لِيُدَاوِيَهُ أَوْ يَتَعَهَّدَهُ فَمَاتَ فِي يَدِهِ لَمْ يَضْمَنْهُ فِي الْأَظْهَرِ وَلَوْ أَحْرَمَ، ثُمَّ جُنَّ فَقَتَلَ صَيْدًا لَمْ يَجِبْ ضَمَانُهُ فِي الْأَظْهَرِ وَيُقَاسُ بِهِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ الْحَلَالُ فِي الْحَرَمِ وَلَوْ أُكْرِهَ مُحْرِمٌ أَوْ حَلَالٌ فِي الْحَرَمِ عَلَى قَتْلِ صَيْدٍ فَقَتَلَهُ فَلَا جَزَاءَ عَلَيْهِ فِي وَجْهٍ وَالْأَصَحُّ عَلَيْهِ الْجَزَاءُ، وَيَرْجِعُ بِهِ عَلَى الْآمِرِ ثُمَّ الصَّيْدُ ضَرْبَانِ أَحَدُهُمَا مَا لَهُ مِثْلٌ مِنْ النَّعَمِ فِي الصُّورَةِ وَالْخِلْقَةِ عَلَى التَّقْرِيبِ فَيَضْمَنُ بِهِ وَمِنْهُ مَا فِيهِ نَقْلٌ عَنْ السَّلَفِ فَيُتْبَعُ قَالَ تَعَالَى{يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ} (فَفِي النَّعَامَةِ) الذَّكَرُ أَوْ الْأُنْثَى (بَدَنَةٌ) أَيْ وَاحِدٌ مِنْ الْإِبِلِ (وَفِي بَقَرِ الْوَحْشِ) أَيْ الْوَاحِدِ مِنْهُ (وَحِمَارِهِ بَقَرَةٌ) أَيْ وَاحِدٌ مِنْ الْبَقَرِ (وَ) فِي (الْغَزَالِ عَنْزٌ) وَهِيَ الْأُنْثَى مِنْ الْمَعْزِ الَّتِي تَمَّ لَهَا سَنَةٌ وَالْغَزَالُ وَلَدُ الظَّبْيَةِ إلَى أَنْ يَطْلُعَ قَرْنَاهُ ثُمَّ يُسَمَّى الذَّكَرُ ظَبْيًا وَالْأُنْثَى ظَبْيَةً وَهُمَا الْمُرَادُ بِالْغَزَالِ. هُنَا لِيُنَاسِبَ كِبَرَ الْعَنْزِ وَيَجِبُ فِيهِ بِمَعْنَاهُ الْأَصْلِيِّ مَا يَجِبُ فِي الصِّغَارِ قَالَهُ الْإِمَامُ (وَ) فِي (الْأَرْنَبِ عَنَاقٌ) وَهِيَ الْأُنْثَى مِنْ الْمَعْزِ مِنْ حِينِ تُولَدُ مَا لَمْ تَسْتَكْمِلْ سَنَةً (وَ) فِي (الْيَرْبُوعِ) وَهُوَ مَعْرُوفٌ (جَفْرَةٌ) وَهِيَ الْأُنْثَى مِنْ الْمَعْزِ إذَا بَلَغَتْ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَالْمُرَادُ بِالْعَنَاقِ مَا فَوْقَ الْجَفْرَةِ فَإِنَّ الْأَرْنَبَ خَيْرٌ مِنْ الْيَرْبُوعِ وَفِي الضَّبْعِ كَبْشٌ، وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَمُعَاوِيَةَ أَنَّهُمْ قَضَوْا فِي النَّعَامَةِ بِبَدَنَةٍ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَأَبِي عُبَيْدَةَ وَعُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّهُمْ قَضَوْا فِي حِمَارِ الْوَحْشِ وَبَقَرِهِ بِبَقَرَةٍ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَضَى فِي الْأَرْنَبِ بِعَنَاقٍ، وَقَالَ فِي الضَّبْعِ كَبْشٌ وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ قَضَى فِي الْيَرْبُوعِ بِجَفْرٍ أَوْ جَفْرَةٍ وَعَنْ عُمَرَ وَابْنِ عَوْفٍ أَنَّهُمَا حَكَمَا فِي الظَّبْيِ بِشَاةٍ وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ وَسَعْدٍ أَنَّهُمَا حَكَمَا فِي الظَّبْيِ بِتَيْسٍ أَعْفَرَ، وَرَوَى الشَّافِعِيُّ عَنْ مَالِكٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ أَنَّ عُمَرَ قَضَى فِي الضَّبْعِ بِكَبْشٍ وَفِي الْغَزَالِ بِعَنْزٍ وَفِي الْأَرْنَبِ بِعَنَاقٍ وَفِي الْيَرْبُوعِ بِجَفْرَةٍ وَهَذَا إسْنَادُهُ صَحِيحٌ مَلِيحٌ. (وَمَا لَا نَقْلَ فِيهِ) عَنْ السَّلَفِ (يُحْكَمُ بِمِثْلِهِ) مِنْ النَّعَمِ (عَدْلَانِ) فَقِيهَانِ فَطِنَانِ ثُمَّ الْكَبِيرُ مِنْ الصَّيْدِ يُفْدَى بِالْكَبِيرِ مِنْ مِثْلِهِ مِنْ النَّعَمِ وَالصَّغِيرُ بِالصَّغِيرِ، وَيُجْزِئُ فِدَاءُ الذَّكَرِ بِالْأُنْثَى وَعَكْسُهُ وَالْمَرِيضُ بِالْمَرِيضِ وَالْمَعِيبُ بِالْمَعِيبِ، إذَا اتَّحَدَ جِنْسُ الْعَيْبِ كَالْعَوَرِ وَإِنْ كَانَ عَوَرُ أَحَدِهِمَا فِي الْيَمِينِ وَالْآخَرِ فِي الْيَسَارِ فَإِنْ اخْتَلَفَ كَالْعَوَرِ وَالْجَرَبِ فَلَا، وَلَوْ قَابَلَ الْمَرِيضَ بِالصَّحِيحِ أَوْ الْمَعِيبَ بِالسَّلِيمِ فَهُوَ أَفْضَلُ قَالَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ وَيَفْدِي السَّمِينَ بِسَمِينٍ وَالْهَزِيلَ بِهَزِيلٍ (وَفِيمَا لَا مِثْلَ لَهُ) كَالْجَرَادِ وَالْعَصَافِيرِ (الْقِيمَةُ) قِيَاسًا وَيُسْتَثْنَى مِنْهُ الْحَمَامُ فَفِي الْحَمَامَةِ شَاةٌ، رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ عَنْ عُمَرَ وَعُثْمَانَ وَابْنِ عَبَّاسٍ زَادَ الْبَيْهَقِيُّ وَابْنُ عُمَرَ وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّ مُسْتَنَدَهُمْ فِيهِ تَوْقِيفٌ بَلَغَهُمْ وَتُعْتَبَرُ الْقِيمَةُ بِمَحَلِّ الْإِتْلَافِ وَيُقَاسُ بِهِ مَحَلُّ التَّلَفِ، وَسَيَأْتِي مَا يَفْعَلُ بِالْقِيمَةِ وَالتَّخْيِيرُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الصَّوْمِ وَالتَّخْيِيرُ فِي الْمِثْلِيِّ بَيْنَ ذَبْحِ مِثْلِهِ وَتَقْوِيمِهِ وَالصَّوْمِ.
(وَيَحْرُمُ قَطْعُ نَبَاتِ الْحَرَمِ الَّذِي لَا يُسْتَنْبَتُ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ أَيْ لَا يَسْتَنْبِتُهُ النَّاسُ وَهُوَ مَا يَنْبُتُ بِنَفْسِهِ شَجَرًا كَانَ أَوْ غَيْرَ شَجَرٍ وَهُوَ الْحَشِيشُ الرَّطْبُ وَسَيَأْتِي أَنَّ الْمُسْتَنْبَتَ مِنْ الشَّجَرِ كَغَيْرِهِ، وَدَلِيلُهُمَا مَا فِي حَدِيثِ الشَّيْخَيْنِ السَّابِقِ بَعْدَ ذِكْرِ الْبَلَدِ أَيْ مَكَّةَ«لَا يُعْضَدُ شَجَرُهُ» أَيْ لَا يُقْطَعُ«وَلَا يُخْتَلَى خَلَاهُ» هُوَ بِالْقَصْرِ الْحَشِيشُ الرَّطْبُ أَيْ لَا يُنْتَزَعُ بِقَلْعٍ وَلَا قَطْعٍ وَيُقَاسُ بَاقِي الْحَرَمِ عَلَى مَكَّةَ وَقَلْعُ الشَّجَرِ كَقَطْعِهِ (وَالْأَظْهَرُ تَعَلُّقُ الضَّمَانِ بِهِ) أَيْ بِنَبَاتِ الْحَرَمِ مِنْ الْحَشِيشِ الرَّطْبِ إذَا قُطِعَ أَوْ قُلِعَ (وَبِقَطْعِ أَشْجَارِهِ) أَوْ قَلْعِهَا قِيَاسًا عَلَى صَيْدِهِ إذَا أُتْلِفَ بِجَامِعِ الْمَنْعِ مِنْ الْإِتْلَافِ لِحُرْمَةِ الْحَرَمِ وَالثَّانِي لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ الضَّمَانُ لِأَنَّ الْإِحْرَامَ لَا يُوجِبُ ضَمَانَ الشَّجَرِ وَالنَّبَاتِ فَكَذَلِكَ الْحَرَمُ وَعَلَى الْأَوَّلِ (فَفِي الشَّجَرَةِ الْكَبِيرَةِ بَقَرَةٌ وَالصَّغِيرَةِ شَاةٌ) رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ عَنْ ابْنِ الزُّبَيْرِ وَضَمَّ إلَيْهِ الرَّافِعِيُّ ابْنَ عَبَّاسٍ، قَالَ وَمِثْلُ هَذَا لَا يُطْلَقُ إلَّا عَنْ تَوْقِيفٍ قَالَ الْإِمَامُ وَالْبَدَنَةُ فِي مَعْنَى الْبَقَرَةِ وَضَبْطُ الشَّجَرَةِ الْمَضْمُونَةِ بِالشَّاةِ بِأَنْ تَقَعَ قَرِيبَةً مِنْ سُبْعِ الْكَبِيرَةِ، فَإِنَّ الشَّاةَ مِنْ الْبَقَرَةِ سُبْعُهَا فَإِنْ صَغُرَتْ جِدًّا فَالْوَاجِبُ الْقِيمَةُ وَجَزَمَ بِجَمِيعِ هَذَا الَّذِي قَالَهُ الْإِمَامُ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ، وَعَبَّرَ فِيهَا كَأَصْلِهَا بِأَنَّ مَا دُونَ الْكَبِيرَةِ تُضْمَنُ بِشَاةٍ فَضَبْطُ الْإِمَامِ بِالنِّسْبَةِ إلَى أَقَلِّ مَا يُضْمَنُ بِهَا، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَا عَقَّبَهُ بِهِ أَمَّا غَيْرُ الشَّجَرِ وَهُوَ الْحَشِيشُ الرَّطْبُ فَيُضْمَنُ بِالْقِيمَةِ إنْ لَمْ يَخْلُفُ فَإِنْ أَخْلَفَ فَلَا ضَمَانَ قَطْعًا وَالْمَضْمُونُ بِهِ هُنَا عَلَى التَّعْدِيلِ وَالتَّخْيِيرِ كَمَا فِي الصَّيْدِ (قُلْت) كَمَا قَالَ الرَّافِعِيُّ فِي الشَّرْحِ (وَالْمُسْتَنْبَتُ) مِنْ الشَّجَرِ (كَغَيْرِهِ) فِي الْحُرْمَةِ وَالضَّمَانِ (عَلَى الْمَذْهَبِ) وَهُوَ الْقَوْلُ الْأَظْهَرُ وَقَطَعَ بِهِ بَعْضُهُمْ لِشُمُولِ الْحَدِيثِ لَهُ وَالثَّانِي الْمَنْعُ تَشْبِيهًا لَهُ بِالزَّرْعِ، أَيْ الْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ وَالذُّرَةِ وَالْقُطْنِيَّةِ وَالْبُقُولِ وَالْخَضْرَاوَاتِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ قَطْعُهُ وَلَا ضَمَانَ فِيهِ بِلَا خِلَافٍ ذَكَرَهُ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ
(وَيَحِلُّ) مِنْ شَجَرِ الْحَرَمِ (الْإِذْخِرُ) بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ لِمَا فِي الْحَدِيثِ السَّابِقِ«قَالَ الْعَبَّاسُ. يَا رَسُولَ اللَّهِ إلَّا الْإِذْخِرَ فَإِنَّهُ لِقَيْنِهِمْ وَبُيُوتِهِمْ، فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَّا الْإِذْخِرَ» وَمَعْنَى كَوْنِهِ لِبُيُوتِهِمْ أَنَّهُمْ يَسْقُفُونَهَا بِهِ فَوْقَ الْخَشَبِ وَالْقَيْنُ الْحَدَّادُ (وَكَذَا الشَّوْكُ) أَيْ شَجَرُهُ (كَالْعَوْسَجِ وَغَيْرِهِ) يَحِلُّ (عِنْدَ الْجُمْهُورِ) كَالصَّيْدِ الْمُؤْذِي فَلَا ضَمَانَ فِي قَطْعِهِ وَفِي وَجْهٍ يَحْرُمُ لِإِطْلَاقِ الْحَدِيثِ وَصَحَّحَهُ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ وَيَضْمَنُ (وَالْأَصَحُّ حِلُّ أَخْذِ نَبَاتِهِ) مِنْ حَشِيشٍ وَنَحْوِهِ (لِعَلْفِ الْبَهَائِمِ) بِسُكُونِ اللَّامِ (وَلِلدَّوَاءِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) لِلْحَاجَةِ إلَى ذَلِكَ كَالْإِذْخِرِ، وَالثَّانِي يَقِفُ مَعَ ظَاهِرِ الْحَدِيثِ وَيَجُوزُ تَسْرِيحُ الْبَهَائِمِ فِي حَشِيشِهِ لِتَرْعَى جَزْمًا وَمِنْ الْمُمْتَنِعِ أَخْذُهُ لِيَبِيعَهُ كَمَا أَفْصَحَ بِهِ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ وَهُوَ صَادِقٌ يَبِيعُهُ مِمَّنْ يَعْلِفُ بِهِ وَيَجُوزُ أَخْذُ وَرَقِ الشَّجَرِ بِسُهُولَةٍ لَا يُخْبَطُ، قَالَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ وَيَجُوزُ أَخْذُ ثَمَرِهِ وَعُودِ السِّوَاكِ، وَنَحْوِهِ بِاتِّفَاقِ أَصْحَابِنَا أَمَّا الْيَابِسُ مِنْ الشَّجَرِ فَيَجُوزُ قَطْعُهُ وَقَلْعُهُ وَالْيَابِسُ مِنْ الْحَشِيشِ يَجُوزُ قَطْعُهُ وَلَوْ قَلَعَهُ، قَالَ الْبَغَوِيُّ: لَزِمَهُ الضَّمَانُ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَقْلَعْهُ لَنَبَتَ ثَانِيًا. قَالَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ: وَلَا يُخَالِفُهُ قَوْلُ الْمَاوَرْدِيِّ إذَا جَفَّ الْحَشِيشُ وَمَاتَ جَازَ قَلْعُهُ وَأَخْذُهُ فَقَوْلُ الْبَغَوِيُّ فِيمَا لَمْ يَمُتْ.
(وَصَيْدُ الْمَدِينَةِ حَرَامٌ) وَفِي الْمُحَرَّرِ صَيْدُ حَرَمِ الْمَدِينَةِ، وَفِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا وَشَجَرُهُ وَيُؤْخَذُ مِنْ شَرْحِ الْمُهَذَّبِ وَخَلَاهُ رَوَى الشَّيْخَانِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ«إنَّ إبْرَاهِيمَ حَرَّمَ مَكَّةَ وَإِنِّي حَرَّمْت الْمَدِينَةَ مَا بَيْنَ لَابَتَيْهَا لَا يُقْطَعُ شَجَرُهَا»، زَادَ مُسْلِمٌ«وَلَا يُصَادُ صَيْدُهَا». وَفِي حَدِيثِ أَبِي دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ كَمَا قَالَهُ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ«لَا يُخْتَلَى خَلَاهَا وَلَا يُنَفَّرُ صَيْدُهَا»، وَاللَّابَتَانِ الْحُرَّتَانِ تَثْنِيَةُ لَابَةٍ وَهِيَ الْأَرْضُ الْمُكْتَسِيَةُ حِجَارَةً سُودًا وَهُمَا شَرْقِيُّ الْمَدِينَةِ وَغَرْبِيُّهَا فَحَرَمُهَا مَا بَيْنَهُمَا عَرْضًا وَمَا بَيْنَ جَبَلَيْهَا طُولًا وَهُمَا فِي حَدِيثِ الشَّيْخَيْنِ«الْمَدِينَةُ حَرَمٌ مِنْ عِيرٍ إلَى ثَوْرٍ» وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ ذِكْرَ ثَوْرٍ هُنَا وَهُوَ بِمَكَّةَ مِنْ غَلَطِ الرُّوَاةِ وَأَنَّ الرِّوَايَةَ الصَّحِيحَةَ أُحُدٌ وَدُفِعَ بِأَنَّ وَرَاءَهُ جَبَلًا صَغِيرًا يُقَالُ لَهُ ثَوْرٌ (وَلَا يَضْمَنُ) الصَّيْدَ وَالشَّجَرَ وَالْخَلَا (فِي الْجَدِيدِ) لِأَنَّهُ لَيْسَ مَحَلًّا لِلنُّسُكِ بِخِلَافِ حَرَمِ مَكَّةَ وَالْقَدِيمُ يَضْمَنُ فَقِيلَ كَحَرَمِ مَكَّةَ وَالْأَصَحُّ يَضْمَنُ بِسَلْبِ الصَّائِدِ وَقَاطِعِ الشَّجَرِ، أَوْ الْخَلَا وَاخْتَارَهُ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ فِيهِ فَلَا مُعَارِضَ رَوَى مُسْلِمٌ أَنَّ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ وَجَدَ عَبْدًا يَقْطَعُ شَجَرًا أَوْ يَخْبِطُهُ فَسَلَبَهُ فَلَمَّا رَجَعَ سَعْدٌ جَاءَهُ أَهْلُ الْعَبْدِ فَكَلَّمُوهُ أَنْ يَرُدَّ عَلَى غُلَامِهِمْ أَوْ عَلَيْهِمْ مَا أَخَذَ مِنْ غُلَامِهِمْ. فَقَالَ: مَعَاذَ اللَّهِ أَنْ أَرُدَّ شَيْئًا نَفَّلَنِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبَى أَنْ يَرُدَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَوَى أَبُو دَاوُد أَنَّهُ وَجَدَ رَجُلًا يَصِيدُ فِي حَرَمِ الْمَدِينَةِ فَسَلَبَهُ ثِيَابَهُ. فَجَاءَ مَوَالِيهِ فَكَلَّمُوهُ فِيهِ. فَقَالَ«إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَرَّمَ هَذَا الْحَرَمَ، وَقَالَ مَنْ أَخَذَ أَحَدًا يَصِيدُ فِيهِ فَلْيَسْلُبْهُ» فَلَا أَرُدُّ عَلَيْكُمْ طُعْمَةً أَطْعَمَنِيهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَكِنْ إنْ شِئْتُمْ دَفَعْت إلَيْكُمْ ثَمَنَهُ، وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ أَنَّهُ كَانَ يَخْرُجُ مِنْ الْمَدِينَةِ فَيَجِدُ الْحَاطِبَ مَعَهُ شَجَرٌ رَطْبٌ عَضَدَهُ مِنْ بَعْضِ شَجَرِ الْمَدِينَةِ، فَيَأْخُذُ سَلْبَهُ فَيُكَلَّمُ فِيهِ فَيَقُولُ لَا أَدَعُ غَنِيمَةً غَنَّمَنِيهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِنِّي لِمَنْ أَكْثَرِ النَّاسِ مَالًا. وَظَاهِرُ الْحَدِيثِ وَكَلَامِ الْأَئِمَّةِ فِي الِاصْطِيَادِ أَنَّهُ يُسْلَبُ، وَإِنْ لَمْ يُتْلَفْ الصَّيْدُ، وَقَالَ الْإِمَامُ: لَا أَدْرِي أَيُسْلَبُ إذَا أَرْسَلَ الصَّيْدَ أَمْ لَا يُسْلَبُ حَتَّى يُتْلِفَهُ، ثُمَّ سَلْبُ الصَّائِدِ أَوْ الْقَاطِعِ كَسَلْبِ الْقَتِيلِ جَمِيعَ مَا مَعَهُ مِنْ ثِيَابٍ وَفَرَسٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَقِيلَ: ثِيَابُهُ فَقَطْ، وَهُوَ لِلسَّالِبِ وَقِيلَ لِفُقَرَاءِ الْمَدِينَةِ وَقِيلَ لِبَيْتِ الْمَالِ، وَهَلْ يُتْرَكُ لِلْمَسْلُوبِ مَا يَسْتُرُ بِهِ عَوْرَتَهُ وَجْهَانِ أَصْوَبُهُمَا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصَحُّهُمَا فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ نَعَمْ.
(وَيَتَخَيَّرُ فِي الصَّيْدِ الْمِثْلِيِّ بَيْنَ ذَبْحِ مِثْلِهِ وَالصَّدَقَةِ بِهِ عَلَى مَسَاكِينِ الْحَرَمِ) بِأَنْ يُفَرِّقَ لَحْمَهُ عَلَيْهِمْ أَوْ يُمَلِّكَهُمْ جُمْلَتَهُ مَذْبُوحًا لَا حَيًّا (وَبَيْنَ أَنْ يُقَوِّمَ الْمِثْلَ دَرَاهِمَ وَيَشْتَرِيَ بِهَا طَعَامًا) مِمَّا يُجْزِئُ فِي الْفِطْرَةِ قَالَهُ الْإِمَامُ وَأَشَارَ إلَى أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُخْرِجَ بِقَدْرِهَا مِنْ طَعَامِهِ (لَهُمْ) أَيْ لِأَجْلِهِمْ بِأَنْ يَتَصَدَّقَ بِهِ عَلَيْهِمْ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِالدَّرَاهِمِ (أَوْ يَصُومَ عَنْ كُلِّ مُدٍّ) مِنْ الطَّعَامِ (يَوْمًا) حَيْثُ كَانَ قَالَ تَعَالَى{هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا} (وَغَيْرُ الْمِثْلِيِّ يَتَصَدَّقُ بِقِيمَتِهِ طَعَامًا) لِمَسَاكِينِ الْحَرَمِ وَلَا يَتَصَدَّقُ بِالدَّرَاهِمِ. (أَوْ يَصُومَ) عَنْ كُلِّ مُدٍّ يَوْمًا كَالْمِثْلِيِّ فَإِنْ انْكَسَرَ مُدٌّ فِي الْقِسْمَيْنِ صَامَ يَوْمًا لِأَنَّ الصَّوْمَ لَا يَتَبَعَّضُ وَيُقَاسُ بِالْمَسَاكِينِ الْفُقَرَاءُ وَالْعِبْرَةُ فِي قِيمَةِ غَيْرِ الْمِثْلِيِّ بِمَحَلِّ الْإِتْلَافِ قِيَاسًا عَلَى كُلِّ مُتْلَفٍ مُتَقَوِّمٍ وَفِي قِيمَةِ مِثْلِ الْمِثْلِيِّ بِمَكَّةَ يَوْمَ إرَادَةِ تَقْوِيمِهِ لِأَنَّهَا مَحَلُّ ذَبْحِهِ لَوْ أُرِيدَ وَهَلْ يُعْتَبَرُ فِي الْعَدُوِّ إلَى الطَّعَامِ سِعْرُهُ بِمَحَلِّ الْإِتْلَافِ أَوْ بِمَكَّةَ ؟ احْتِمَالَانِ لِلْإِمَامِ وَالظَّاهِرُ مِنْهُمَا الثَّانِي.
(وَيَتَخَيَّرُ فِي فِدْيَةِ الْحَلْقِ بَيْنَ ذَبْحِ شَاةٍ) بِصِفَةِ الْأُضْحِيَّةِ (وَالتَّصَدُّقِ بِثَلَاثَةِ آصُعٍ) بِالْمَدِّ (لِسِتَّةِ مَسَاكِينَ) لِكُلِّ مِسْكِينٍ نِصْفُ صَاعٍ وَجَمْعُهُ فِي الْأَصْلِ أَصْوُعٌ، أُبْدِلَ مِنْ وَاوِهِ هَمْزَةٌ مَضْمُومَةٌ قَامَتْ عَلَى الصَّادِ وَنُقِلَتْ ضَمَّتُهَا إلَيْهَا وَقُلِبَتْ هِيَ أَلِفًا (وَصَوْمِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ) قَالَ تَعَالَى:{فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ} أَيْ فَحَلَقَ{فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ}. وَرَوَى الشَّيْخَانِ«أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِكَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ: أَيُؤْذِيك هَوَامُّ رَأْسِك ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: اُنْسُكْ شَاةً، أَوْ صُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، أَوْ أَطْعِمْ فَرَقًا مِنْ الطَّعَامِ عَلَى سِتَّةِ مَسَاكِينَ»، وَالْفَرَقُ بِفَتْحِ الْفَاءِ وَالرَّاءِ ثَلَاثَةُ آصُعٍ وَقِيسَ الْقَلْمُ عَلَى الْحَلْقِ، وَغَيْرُ الْمَعْذُورِ فِيهِمَا عَلَيْهِ وَالْفُقَرَاءُ عَلَى الْمَسَاكِينِ وَكَفِدْيَةِ الْحَلْقِ فِدْيَةُ الِاسْتِمْتَاعِ كَالتَّطَيُّبِ وَالْإِدْهَانِ وَاللُّبْسِ، وَمُقَدِّمَاتِ الْجِمَاعِ لِاشْتِرَاكِهَا فِي التَّرَفُّهِ هَذَا دَمُ تَخْيِيرٍ (وَالْأَصَحُّ أَنَّ الدَّمَ فِي تَرْكِ الْمَأْمُورِ كَالْإِحْرَامِ مِنْ الْمِيقَاتِ) وَالْمَبِيتُ بِمُزْدَلِفَةَ لَيْلَةَ النَّحْرِ وَبِمِنًى لَيَالِيَ التَّشْرِيقِ وَالرَّمْيِ وَطَوَافِ الْوَدَاعِ (دَمُ تَرْتِيبٍ) إلْحَاقًا لَهُ بِدَمِ التَّمَتُّعِ لِمَا فِي التَّمَتُّعِ مِنْ تَرْكِ الْإِحْرَامِ مِنْ الْمِيقَاتِ وَقِيسَ بِهِ تَرْكُ بَاقِي الْمَأْمُورَاتِ (فَإِذَا عَجَزَ) عَنْ الدَّمِ (اشْتَرَى بِقِيمَةِ الشَّاةِ طَعَامًا وَتَصَدَّقَ بِهِ فَإِنْ عَجَزَ) عَنْ ذَلِكَ (صَامَ لِكُلِّ مُدٍّ يَوْمًا) وَهَذَا يُسَمَّى تَعْدِيلًا وَصَحَّحَهُ الْغَزَالِيُّ كَالْإِمَامِ وَالْأَكْثَرُونَ عَلَى أَنَّهُ إذَا عَجَزَ عَنْ الدَّمِ يَصُومُ كَالْمُتَمَتِّعِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةً بَعْدَ رُجُوعِهِ وَهُوَ الْأَصَحُّ فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا وَيُسَمَّى تَقْدِيرًا وَالْأَوَّلُ قَالَ التَّعْدِيلُ جَارٍ عَلَى الْقِيَاسِ وَالتَّقْدِيرُ لَا يُعْرَفُ إلَّا بِتَوْقِيفٍ وَقِيلَ يَلْزَمُهُ إذَا عَجَزَ عَنْ الدَّمِ صَوْمُ الْحَلْقِ وَمُقَابِلُ التَّرْتِيبِ أَنَّهُ دَمُ تَخْيِيرٍ وَتَعْدِيلٍ كَجَزَاءِ الصَّيْدِ.
(وَدَمُ الْفَوَاتِ) أَيْ فَوَاتِ الْحَجِّ بِفَوَاتِ الْوُقُوفِ وَسَيَأْتِي فِي آخِرِ الْبَابِ الْآتِي وُجُوبُهُ مَعَ الْقَضَاءِ (كَدَمِ التَّمَتُّعِ) فِي صِفَتِهِ وَحُكْمِهِ عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْهُ وَغَيْرِهِ لِأَنَّ دَمَ التَّمَتُّعِ لِتَرْكِ الْإِحْرَامِ مِنْ الْمِيقَاتِ وَالْوُقُوفُ الْمَتْرُوكُ فِي الْفَوَاتِ أَعْظَمُ مِنْهُ (وَيَذْبَحُهُ فِي حَجَّةِ الْقَضَاءِ) وُجُوبًا (فِي الْأَصَحِّ) كَمَا أَمَرَ بِهِ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ رَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ وَسَيَأْتِي بِطُولِهِ فِي آخِرِ الْبَابِ الْآتِي، وَالثَّانِي يَجُوزُ ذَبْحُهُ فِي سُنَّةِ الْفَوَاتِ كَدَمِ الْفَسَادِ يُرَاقُ فِي الْحَجَّةِ الْفَاسِدَةِ، وَفِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا حِكَايَةُ الْخِلَافِ قَوْلَيْنِ وَفِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ مِنْهُمْ مِنْ حَكَاهُ وَجْهَيْنِ. ثُمَّ وَقْتُ الْوُجُوبِ عَلَى الثَّانِي سُنَّةُ الْفَوَاتِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ إذَا أَحْرَمَ بِالْقَضَاءِ كَمَا يَجِبُ دَمُ التَّمَتُّعِ إذَا أَحْرَمَ بِالْحَجِّ أَمَّا إذَا كَفَرَ بِالصَّوْمِ وَقُلْنَا وَقْتُ الْوُجُوبِ إذَا أَحْرَمَ بِالْقَضَاءِ لَمْ يُقَدِّمْ صَوْمَ الثَّلَاثَةِ عَلَى الْقَضَاءِ وَيَصُومُ السَّبْعَةَ إذَا رَجَعَ مِنْهُ، وَإِنْ قُلْنَا يَجِبُ بِالْفَوَاتِ فَفِي جَوَازِ صَوْمِ الثَّلَاثَةِ فِي حَجَّةِ الْفَوَاتِ وَجْهَانِ، وَجْهُ الْمَنْعِ أَنَّهُ فِي إحْرَامٍ نَاقِصٍ وَالْمَعْهُودُ إيقَاعُهَا فِي نُسُكٍ كَامِلٍ.
(وَالدَّمُ الْوَاجِبُ) فِي الْإِحْرَامِ (بِفِعْلِ حَرَامٍ أَوْ تَرْكِ وَاجِبٍ لَا يَخْتَصُّ بِزَمَانٍ) بَلْ يَجُوزُ فِي يَوْمِ النَّحْرِ وَغَيْرِهِ وَإِنَّمَا يَخْتَصُّ بِيَوْمِ النَّحْرِ وَأَيَّامِ التَّشْرِيقِ الضَّحَايَا (وَيَخْتَصُّ ذَبْحُهُ بِالْحَرَمِ فِي الْأَظْهَرِ) قَالَ تَعَالَى{هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ} فَلَوْ ذَبَحَ خَارِجَ الْحَرَمِ لَمْ يُعْتَدَّ بِهِ وَالثَّانِي يُعْتَدُّ بِهِ بِشَرْطِ أَنْ يُنْقَلَ وَيُفَرَّقَ فِي الْحَرَمِ قَبْلَ تَغَيُّرِ اللَّحْمِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ هُوَ اللَّحْمُ وَقَدْ حَصَلَ بِهِ الْغَرَضُ الْمَذْكُورُ فِي قَوْلِهِ (وَيَجِبُ صَرْفُ لَحْمِهِ إلَى مَسَاكِينِهِ) أَيْ الْحَرَمِ جَزْمًا الْقَاطِنِينَ وَالطَّارِئِينَ وَالصَّرْفُ إلَى الْقَاطِنِينَ أَفْضَلُ وَكَذَا الْحُكْمُ فِي دَمِ التَّمَتُّعِ وَالْقِرَانِ وَلَوْ كَانَ يُكَفِّرُ بِالْإِطْعَامِ بَدَلًا عَنْ الذَّبْحِ وَجَبَ تَخْصِيصُهُ بِمَسَاكِينِ الْحَرَمِ، وَأَقَلُّ مَا يُجْزِئُ الصَّرْفُ إلَى ثَلَاثَةٍ وَقِيلَ يَتَعَيَّنُ فِي الْإِطْعَامِ لِكُلِّ مِسْكِينٍ مُدٌّ كَالْكَفَّارَةِ وَتَجِبُ النِّيَّةُ عِنْدَ التَّفْرِقَةِ، ذَكَرَهُ فِي الرَّوْضَةِ عَنْ الرُّويَانِيُّ وَقِيسَ الْفُقَرَاءُ عَلَى الْمَسَاكِينِ.
(وَأَفْضَلُ بُقْعَةٍ) مِنْ الْحَرَمِ (لِذَبْحِ الْمُعْتَمِرِ الْمَرْوَةُ وَلِلْحَاجِّ مِنًى) لِأَنَّهُمَا مَحَلُّ تَحَلُّلِهِمَا. (وَكَذَا حُكْمُ مَا سَاقَا مِنْ هَدْيٍ) تَطَوُّعٍ أَوْ مَنْذُورٍ (مَكَانًا) فِي الِاخْتِصَاصِ وَالْأَفْضَلِيَّةِ (وَوَقْتُهُ وَقْتُ الْأُضْحِيَّةِ عَلَى الصَّحِيحِ) وَالثَّانِي لَا يَخْتَصُّ بِوَقْتٍ كَدَمِ الْجُبْرَانِ وَعَلَى الْأَوَّلِ لَوْ أَخَّرَ ذَبْحَهُ عَنْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ فَإِنْ كَانَ وَاجِبًا ذَبَحَهُ قَضَاءً وَإِلَّا فَقَدْ فَاتَ فَإِنْ ذَبَحَهُ قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَانَتْ شَاةَ لَحْمٍ وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْوَاجِبَ يَجِبُ صَرْفُ لَحْمِهِ إلَى مَسَاكِينِ الْحَرَمِ وَفُقَرَائِهِ، وَأَنَّهُ لَا بُدَّ فِي وُقُوعِ التَّطَوُّعِ مَوْقِعَهُ مِنْ صَرْفِهِ إلَيْهِمْ وَفِي الصَّحِيحَيْنِ«أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَهْدَى فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ مِائَةَ بَدَنَةٍ» فَيُسْتَحَبُّ لِمَنْ قَصَدَ مَكَّةَ بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ أَنْ يَهْدِيَ إلَيْهَا شَيْئًا مِنْ النَّعَمِ وَلَا يَجِبُ ذَلِكَ إلَّا بِالنَّذْرِ.